عراق

أَعلام من بلادي ..

أَعلام من بلادي  ..
استعراض الدكتور محمد المعموري 
الشاعر (بدر شاكر السيّاب)
في منتصف الثمانينات من القرن الماضي تحقق حلمي في زيارة بلدة الشاعر الكبير بدر شاكر السياب ، في قضاء أبو الخصيب وتحديداً في قريته “جيكور”، وكان حتما علي ان امر مسرعاً مع ضفاف نهر (بويب) “تخيلته” نهراً إكراماً لشاعرنا فإنه تحول الى “ساقية” طمرت جوانبه وأصبح الماء متحديا (شوائب الزمن) لينساب بهدوء ليسقي بقطراته القليلة ما استطاع من نبات الارض، وليبقى تتغنى به قصيدة السياب مع اوجاعه.
كم تخيلت الشاعر، وكم تتبعت آثاره عندما كنت اسير في قضاء أبو الخصيب تحت نخيله وأنظر الى خضرة الأرض لألمس من خلالهما حنين الشاعر الى تلك الارض وذاك النهر وهو يغادرهما مرة شرقاً واخرى غرباً وربما شمالاً وجنوباً ، ولكن  لم تكن روحه تسكن مطمئنة إلا عندما يكون بين نخيلها وسائرا بوحدته مع مسير مياه (بويب) ، وسمعت في وهمي صريخه وهو يناديني :
(بويب.... بويب)
أجراس برج ضاع في قارة البحر
الماء في الجرار، والغروب في الشجر
وتنضج الجرار أجراساً من المطر
بلورها يذوب في أنين
(بويب .. يا بويب).
فمشيت على مهل متجنبا ذاك النهر العملاق لكي لا اسمع انينه وأنا أطأ بقدمي فوق ما  "طمر" منه، ومضيت انشد قصيدة السياب متوهما انه ينشدها معي وظننت ان بويب قد زاد تدفقه حتى اصبحت نشوة السياب في شعره تمتلك روحي فأبيت إلا ان انشدها واكررها حتى غادرت قريته وكأني رأيت والتقيت شاعرنا، بصمته وحزنه.
حاولت ان اسرع بعيدا لكي تحملني قدمي نحو بعد هو كان سالكه والى طريق كان فيه الحزن يتبعه وهو يغادر قريته مبتعدا عنها وكلما ابتعد عنها نادته اغصان اشجارها وسعف نخيلها وانسكبت قطرات ماء (بويب) كأنها دموع تسكب من بين مقلتيه لتعود مكملة مسيرتها.
مرض وألم ، هجرة وغربه ، نجاح وفشل ، حاجة واكتفاء ، كل هذا كان يلحق شاعري في جسده الهزيل وخطواته الثقيلة المثقلة بكل انواع الهموم مواجها  نقد الناقدين واقلام المفكرين  واشباه الكتاب والمحسوبين على قوافي الشعر بشعرهم الهزيل، هوجم  في ابداعه وتركيب حروف قصائده وهموم حياته وكان               كالنخلة  تموت وهي واقفة (بكبرياء) فوقف  مثلها  متحديا بشعره وادبه الرفيع كل ما وجهه اليه من الم النقد أو (ما يسمى نقداً) ورغم هذا لم يكن محبطاً.
كان ينظر الى الحياة بنظرة الشاعر ويعيشها بشعور الحالم ويقضي على المه وخزنه بروح المثابر، كان ينطق بالحب وهو من حرم منه وكان للحب صوته والتجديد عنوانه وللإبداع هويته، ويزرع في كلماته همسات وفرح الاطفال ، كان همه وطنه وحبه قصيدته التي تغنت بنهره او ينشد مع المطر انشودته لتداعب قطرات المطر طيات اورقه القديمة لتمحو جرحه تارة او تثير  عاطفته تارتا اخرى ، لم يكن مهتما لما يشاع عنه بل كان مهتم للقاء في قريته او نظرة الى نخيل مدينته او ابتسامة تزرعها قطرات المطر الممتزجة مع ماء بويب لتقوح من خلالهما رائحة الارض التي هو يعشقها ، ولم تثنيه  بلاغة المثقفون في انتقاده من قبل المتفلسفين ولم توقفه فلسفة اشباه المتفلسفين في محاولة ايقافه حتى انهم اتهموا ابداعه وصار عندهم “بدعة”.
ولأنني أعرفه منذ صغري ، من خلال قصائده المقررة في المنهاج الدراسي او من خلال قراءات ابداعاته حبا له او تمجيدا لهذا الشاعر الذي عاش بشغف العيش وحاجته ، وتألم بأنواع الامراض ، وغادر بلده بحثا عن رزقه ، او انه تشبث في منهاج شعره الذي ادين بسببه ، قررت ان اجازف و  "امر مرار" الكرام، على سيرته ، او احاول ؛ وانا اعلم ربما اتهم “بالبدعة” لأني اعلم انني لن اكون مبدعا في  تناول  سيرته على عجل في هذه السطور القليلة ، وعذري وانا اضع نفسي امام هذا العبقري بأن لي معه صلة القارئ العاشق لشعره ، فالشعر الحر ، كان هو أحد منظريه وتحمل اوزار من لم يتفهم إبداعه  ولم يتبع تفعيلاته وقوافيه.
حياته وسيرته :
هو من أشهر الشعراء العرب في الوطن العربي في القرن العشرين، وهو أحد مؤسسي الشعر الحر في الأدب العربي، ولد في محافظة البصرة جنوب العراق في عام 1926 في قضاء  الخصيب ضمن ادارة محافظة البصرة ، وبالتحديد في قرية “جيكور” والتي هي قرية تابعة لقضاء أبو الخصيب، وتشتهر قرية جيكور بزراعة النخيل ولا يتجاوز سكانها الـ 500 نسمه حيث كانت قرية بدائية كان بناء بيوتهم عبارة عن جدران من الطين الممزوج مع مادة (التبن) ويغطى سقفها بجذوع النخيل حالها حال القرى البدائية في وطننا العربي الكبير ، ومن هذه القرية ووسط هذا الصراع بين حضارة وثقافة اهل البصرة التي تميزوا بشغفهم في المطالعة وحب الشعر ومن ثم تنظيمه ، كان السياب قد انبثقت موهبته المختلطة بين قسوة حياته وطموحه الذي تجاوز في ذاته قريته لينطلق به خيال الشعر الى افاق واسعه لم تستوعبه قريته بل لم يستوعبه فضاء بلده حتى حلق معلنا ولادة الشعر الحر مع ثلة من ادباء الوطن العربي ونظم قصائده التي يدور فلكها بين الغربة والمرض والحرمان وحنينه الغير منتهي الى بلدته كلما ابتعد عنها حاملا عاطفة الابن الذي ظل الطريق فاتجهت به الاتجاهات نحو افق ليس هو قادر على لم شمله فالف اجمل القصائد وتغنت به احلى الالحان ، فقد كان يشتهر شعره بالعذوبة والحنية والرقة حتى انه كان يناجي نهره الصغير (بويب) بأحلى عبارات المناجات وكانه عشيقته.
توفّي “السياب” في عام 1964 ، تاركا وراءه ثروة كبيرة من الادب العربي بين قصيدة او نثر وترجمة من لغات اخرى الى العربية ، رحل  السياب مودعا (جيكور) وبويب بعد ان تغنى بحبهما في كل محفل وقصيدة.
إبداعاته الأدبية : 
دواوينه :
 أزهار ذابلة- مطبعة الكرنك بالفجّالة- القاهرة- ط ا- 1947
1. أساطـير- منشورات دار البيان- مطبعـة الغرى الحديثـة- النجف- ط 1-
2. حفار القبور- مطبعة الزهراء- بغداد- ط ا- 1952
3. المومس العمياء- مطبعة دار المعرفة- بغداد- ط 1- 1954
4. الأسلحة والأطفال- مطبعة الرابطة- بغداد- ط ا- 1954
5. أنشودة المطر- دار مجلة شعر- بيروت- ط 1- 1960
6. المعبد الغريق- دار العلم للملايين- بيروت- ط ا- 1962
منزل  الأقنان- دار العلم للملايين- بيروت- ط ا- 1963
7. أزهار وأساطير- دار مكتبة الحياة- بيروت- ث ا- د. ت.
8. شناشيل ابنة الجلبي- دار الطليعة- بيروت- ط ا- 1964
9. إقبال- دار الطليعة- بيروت- ط ا- 1965
10. إقبال وشناشيل ابنة الجلبي- دار الطليعة- بيروت- ط ا- 1965.
11. قيثارة الريح- وزارة الأعلام العراقية- بغداد- ط ا- 1971
12. أعاصير – وزارة الأعلام العراقية – بغداد- ط ا- 1972
13. الهدايا – دار العودة بالاشتراك مع دار الكتاب العربي- بيروت- ط ا- 1974
14. البواكير – دار العودة بالاشتراك مع دار الكتاب العربـي- بـيروت- ط ا- 1974
15. فجر السلام – دار العودة بالاشتراك مع دار الكتاب العربي- بيروت- ط ا- 1974
16. نسق التلازم بين السياب والنائب – بالاشتراك مع صديقه الشاعر عبد اللطيف النائب
الترجمات الشعرية :
1. عيون إلزا أو الحب والحرب : عن أراغون – مطبعة السلام – بغداد – بدون تاريخ
2. قصائد عن العصر الذري : عن ايدث ستويل- دون مكان للنشر ودون تاريخ
3. قصائد مختارة من الشعر العالمي الحديث: دون مكان للنشر ودون تاريخ
4. قصائد من ناظم حكمت : مجلة العالم العربي، بغداد – 1951
الأعمال النثرية :
الالتزام واللا التزام في الأدب العربي الحديث : محاضرة ألقيت في “روما” ونشرت في كتاب الأدب العربي المعاصر، منشورات أضواء، بدون مكان للنشر ودون تاريخ لها.
الترجمات النثرية :
1. ثلاثة قرون من الأدب : مجموعة مؤلفين، دار مكتبة الحياة- بيروت- جزآن، الأول بدون تاريخ، والثاني 1966.
2. الشاعر والمخترع والكولونيل: مسرحية من فصل واحد لبيتر أوستينوف، جريدة الأسبوع- بغداد- العدد 23- 1953
• هذا ما استطعت ان أجمعه ، ذرات من تراث كبير ، ولكني أسأل في نهاية هذا المقال لماذا كُرِّم السياب بعد موته ولمّا ظهرت قصائده وتغنت بها الألحان وطبعت كمنهاج دراسي للأدب العربي في المدارس والجامعات وتم مناقشة أغلب شعره وأدبه في رسائل وأطروحات للماجستير والدكتوراه ؟!! ، ولم هو الآن شامخ بنصب في مدينة البصرة ينبثق من بين جوانبه لغة العتاب ؟!! ، ومن حقي أن اسأل لماذا الأديب والشاعر والمبدع لانعرف قيمته في بلادنا  إلا بعد موته ؟!! ، ألا يستحق ان يتنعم هذا المبدع بحياته ، ويكرم وهو يرى آثار إبداعاته ويلمس نجاحاته ليفخر بها في حياته....،،،

ليست هناك تعليقات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.