عراق

الشركات العابرة للحدود في مرمى دوائر الضرائب العالمية

متابعة / حسين عامر 
قطعت حكومات العالم شوطا كبيرا في مسار ملاحقة الشركات العابرة للحدود والرقمية لإجبارها على دفع ضرائب عادلة، ما سيوفر للاقتصاد العالمي المليارات من الدولارات سنويا، على الرغم من الشكوك في إمكانية نجاح الخطوة بعد أن أبدت دول رفضا قاطعا لذلك، كما أن تطبيق الخطوة يحتاج إلى توحيد الإجراءات ومعالجة المسائل الفنية والقانونية.باريس- ستضطر الشركات العابرة للحدود وعمالقة التكنولوجيا مثل أمازون ومايكروسوفت وفيسبوك وغوغل وعلي بابا اعتبارا من 2023 إلى دفع ضرائب أكبر بعد أن استفادت طيلة سنوات من قصور القوانين في إجبارها على دفع ضرائب تقول أغلب حكومات العالم إنها ليست عادلة.وبعد نقاشات طويلة، اتفقت 130 دولة بما فيها الصين ودول الجنان الضريبية، وهي تشكل مجتمعة 90 في المئة من إجمالي الناتج المحلي العالمي، الخميس الماضي، على فرض ضريبة عالمية دنيا على الشركات لا تقل عن 15 في المئة، في ما وصف بأنه “خطوة جبارة” و”يوم تاريخي”.وأعلن الأمين العام لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي ماتياس كورمان الذي كان يدير هذه المفاوضات في بيان “بعد سنوات من العمل والمفاوضات المكثفة ستضمن هذه الحزمة أن تدفع الشركات متعددة الجنسيات حصتها العادلة من الضرائب أينما تواجدت في العالم”.وتفيد المنظمة أن الضريبة العالمية الدنيا المقترحة من شأنها أن تدر إيرادات ضريبية إضافية تصل إلى حوالي 150 مليار دولار على المستوى العالمي. وتشير التقديرات إلى أن معدلات ضرائب الشركات في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تتراوح بين 9 إلى أكثر من 30 في المئة.ويتوقع أن يقر وزراء المال في مجموعة العشرين الذين يجتمعون الأسبوع المقبل في البندقية التقدم الفني والسياسي المسجل بشأن هذه الخطوة. ويستند الإعلان المشترك على اتفاق أبرم خلال اجتماع دول مجموعة السبع الصناعية الكبرى والذي عقد في يونيو الماضي ببريطانيا، حيث أعطى دفعا جديدا للمفاوضات التي تعطلت خلال عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وأحياها خلفه جو بايدن بعد دخوله البيت الأبيض.ماتياس كورمان: الشركات ستدفع حصتها العادلة من الضرائب أينما كانتلكن بعض المحللين يشككون في إمكانية نجاح الخطوة خاصة مع وجود دول تعارض الخطوة، كما أن الشركات قد تلجأ إلى اعتماد أساليب جديدة للتهرب من الإفصاح عن رقم معاملاتها أو أرباحها الحقيقية قبل موعد تطبيق الضريبة الجديدة.وأظهرت القائمة التي وفرتها المنظمة أن مجموعة صغيرة من الدول ومن بينها إيرلندا والمجر، المتحفظة على الاتفاق الذي تم التفاوض بشأنه، لم توقععليه. وقالت إيرلندا إنها “ليست في وضع يسمح لها بالانضمام إلى الإجماع على فرض ضريبة على شركات التكنولوجيا العملاقة متعددة الجنسيات”، وأعربت عن تحفظها على الحد الأدنى للضريبة بواقع 15 في المئة.لكن الحكومة الإيرلندية وعلى لسان وزير المال باسكال دونهوو أكدت “دعمها عموما” للاتفاق، مشيرة إلى أن “هدفها هو إيجاد مخرج يمكن لإيرلندا دعمه”، فيما انضمت بكين التي كان موقفها مرتقبا جدا، والدول التي تعتبر جنات ضريبية، إلى الاتفاق.ويرى المدافعون عن فرض ضرائب عادلة على عمالقة التكنولوجيا والشركات العابرة للحدود أن الخطوة ضرورية لدرء ارتفاع الشعبوية وحتى من أجل استدامة الرأسمالية. ويقول الكثير من خبراء الاقتصاد والمال إن أبرز الفائزين في العولمة هي تلك الشركات متعددة الجنسيات الكبيرة، التي انهارت معدلات ضرائبها الفعلية، وبالتالي لا يمكن أن يؤدي ذلك إلا إلى رفض متزايد لهذا الشكل من قبل المسؤولين والحكومات.وعلق الرئيس الأميركي جو بايدن على هذا الاتفاق قائلا “لن تتمكن الشركات متعددة الجنسيات بعد الآن أن تضع الدول المختلفة في مواجهة بغية خفض مستوى الضريبة وحماية أرباحها على حساب الإيرادات العامة”. وأضاف “لن تتمكن (الشركات) بعد الآن من تجنب دفع حصتها العادلة من خلال إخفاء المكاسب التي حققتها في الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى تكون فيها الرسوم الضريبية أقل”.وفي الوقت الذي أكدت فيه وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين أن هذا “يوم تاريخي للدبلوماسية الاقتصادية”، اعتبرت ألمانيا الاتفاق “خطوة جبارة نحو العدالة الضريبية”. في حين رأى وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير أنه “أهم اتفاق ضريبي دولي تم إبرامه خلال قرن”.إلا أن منظمة “أوكسفام غير الحكومية اعتبرت أن الدول الغنية ستستفيد خصوصا من الاتفاق الذي يخضع رغم ذلك، مفهوم الجنات الضريبية الكبيرة للضغط”. وقالت “ترغم الدول الغنية الدول النامية على الاختيار بين اتفاق لا يخدم مصالحها وبين غياب الاتفاق” منددة في بيان “بشكل جديد من الاستعمار الاقتصادي”.وينص الاتفاق على توزيع “عادل أكثر” للإيرادات الضريبية بين الدول التي تضم مقار الشركات وتلك التي تحتضن النشاط الفعلي حتى من دون وجود مادي لها. ويستهدف هذا الجانب من الاتفاق الشركات الرقمية العملاقة. وأوضح النص أن صناعات التعدين مثل المناجم والخدمات المالية المنظمة ستستبعد من هذا الجانب لكن لن تستثنى من ضريبة الحد الأدنى.150 مليار دولار إيرادات ضريبية إضافية سنوية عالميا يتوقع جنيها بعد تطبيق الاتفاق ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية إلى مات شرورز رئيس الاتحاد المهني للشركات الرقمية الذي يضم أمازون وفيسبوك قوله إنه “ينتظر بفارغ الصبر المشاركة في تفاصيل خطة التطبيق ويحض الدول على إلغاء الضرائب على الخدمات الرقمية الراهنة والتخلي عن مشاريع أخرى مماثلة يتم درسها”.وتشدد منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي على أن الآلية المقترحة ستشكل “مساعدة ثمينة للدول”، التي أنفقت كثيرا خلال الجائحة وعليها أن تمول عملية التعافي الاقتصادي.وقال كورمان إن “حزمة الإجراءات هذه لا تضع حدا للمنافسة الضريبية ولا تهدف إلى ذلك فقط، بل تسعى إلى الحد منها من خلال قواعد متفق عليها على صعيد متعدد الأطراف”. وحددت الدول المشاركة في المفاوضات مهلة حتى شهر أكتوبر المقبل لاستكمال الجوانب التقنية وتحضير خطة تطبيق تصبح نافذة قبل عام ونصف العام من الآن.

ليست هناك تعليقات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.